لا يخلو الانسان من نمط حياة أو عيش يسير فيه، وتكمن أهمية الإضاءة على نمط الحياة في نقاط متعددة، أهمها معرفة الإنسان للغاية التي يريد الوصول إليها، وتحديد الطريق الضامن لسلامة الوصول ونجاح ما يريده.
•    تعريف نمط الحياة وضرورته
نقوم أحياناً بعملية تصنيف الناس بحسب تفاعلهم مع الأحداث وطريقة تصرفهم، ففلان هادئ وآخر عصبيّ، وثالث لا يبالي، وتتسع الصورة عندما نراقب كيفية عيشهم في مختلف الظروف والحالات، وهكذا تحكي تصنيفاتنا لهم عن الصورة الملتقاة في أذهاننا عنهم وهي بوضوح ما يمكننا أن نطلق عليه نمط حياتهم.
إذا يمكننا القول أن نمط الحياة هو الصورة التي يكون عليها الشخص في أسلوب الحياة وإدارة نواحيها.
وهذه الصورة تتشكل بسبب مجموعة من العوامل والأسباب نطلق عليها محددات نمط الإدارة، فما هي هذه المحددات؟
1-    النشأة في مرحلة التأسيس:
فهذه المرحلة هي مرحلة تكون المؤسسة ولأن الظروف في هذه المرحلة هي من المحددات الرئيسة لنمط المؤسسة، كانت عناية التشريع بتفاصيل التنشئة الدينية والأخلاقية للفرد، لأنها تتحدد مستقبل ومسار المؤسسة.
2-    المعتقدات:
المعتقد هو الذي يؤسس لنمط حياة وبالتالي يؤسس لنمط إدارة تحكمه ضوابط ومعايير أخلاقية وبالتالي تجيب عن أسئلة الحياة: من أين؟ وإلى أين؟
إن أي مؤسسة وأي إدارة عمل هو الذي يحدد فهمنا للحياة.
إن الإدارة المعتمدة على الإيمان، تعطي الإدارة حمالة من الفساد والإنهيار لأنها تعتمد على قوانين راسخة غير وضعية تقوم على تطبيق التشريع لعلاقات المجتمعات والأفراد.
3-    المحيط وبيئة العيش:
ما يصطلح عليه بالإنسان الكبير، أي المجتمع الذي يعيبني فيه الإنسان، يؤدي دوراً بارزاً في رسم تحط الحياة هذا الإنسان وبالتالي يرسم نمط إدارته لكافة نواحي الحياة، ولذا اعتنى الإسلام بوجود بيئة اجتماعية سليمة تضمن سلامة السلوك الإنساني وبالتالي تحصّن إدارته في المجتمع
•    أهمية معرفة نمط الإدارة:
تكمن أهمية معرفة نمط الحياة بملاحظة أبعاد ثلاثة:
1-    البعد الأول: ثابتة مفادها أن كل المحددات لا يمكنها أن تغلب عنصر الإختيار الإنساني، وبهذا، بالمعرفة سوف تنعكس سلوكاً منسجماً معها مهما كانت الظروف.
فالإنسان الذي يعمل على تطوير قدراته العلمية والفنية تجده يتغلب على كل المصاعب التي تواجهه في الحياة وبالتالي على حسن إدارته وتطوير المقدرات.
2-    البعد الثاني: ضمانة الوصول إلى الهدف، فالسعي الإنساني نحو الكمال فطري، ولكن نمط الإدارة يرسم طرق الوصول لكمال فيكون بذلك مالكاً للعقل الغالب على الهوى والذي يحفظ مشياً سليماً في مأمن من الإنهيار.
3-    البعد الثالث: معرفة خطأ الأنماط الأخرى في الإدارة التي يسلكها الآخرون، وقد يستهويه نمط خاطئ، جذيته صورة ما فيه، فيغفل عن حقائق بديهية، تؤدي به أي الفرد بعد حين إلى خسارة ما كان يخطط له من تطوير الإدارة والمؤسسة.
في قصة قوم موسى (ع) عبرة عندما وصفهم القرآن الكريم {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ}
وكان جواب نبيهم لهم إن هذا ناشئ من الجهل {قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}[الأعراف: 138]
•    مصادر معرفة نمط الأخلاق ف ي الإدارة
1-    الكتاب الكريم: وهو المصدر التشريعي المحصوم والمصون من الخطأ والإنحراف، فهو الذي يرسم الخطوط العامة لنمط الحياة.
من دعاء الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) في ختمة القرآن:
"اللهم، صل على محمد وآل محمد، واجبر بالقرآن خلتنا من عدم الإملاق ؟؟ النيابة رغد العيش وخصب سعة الرزق، وجنبنا به من الضرائب المذمومة ومداني الأخلاق، واعصمنا به من هبوة الكفر ودواعي النفاق حين يكون لنا في القيامة إلى رضوانك وجنانك قائداً ولنا في الدنيا عن سخطك وتعدى حدودك ذائداً
الصحيفة السجادية – الدعاء (42)
2-    السنة النبوية الشريفة: وهي مصدر التشريع الثاني، بمقتضى أن النبي (ص) مكلف بالوعي الإلهي ببيان الأحكام للناس من حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.
3-    العترة الطاهرة: والتي تدخل في سنة النبي – ص – باعتبارهم الذين أمر الله تعالى بالرجوع إليهم وباتباعهم منهم كما وصفهم أمير المؤمنين (ع) "عيش العلم وصوت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم.
لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه!
هم دعائم الإسلام وولائج الإعتصام، بهم عاد الحق من نصابه، وانزاح الباطل عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية
لا عقل سماع ورواية فإن رواة العلم كثير، ورعاته قليل
نهج البلاغة – الخطبة 239
4-    الولي الفقيه: انطلاقاً من وجود حاجات متعددة، لا بد للناس من الرجوع إلى مصدر في تحديد الموقف منها، فكانت دائرة صلاحيات الولي الفقيه التي ترسم بالأحكام الولائية نمط معاصراً للحياة، يجعل المجتمع الإسلامي متكيفاً مع كل المتغيرات، مع المحافظة على ثوابت الشريعة الإسلامية.
•    الإسلام يرسم نمط الأخلاق في الإدارة:
تشكل المنظومة التشريعية والحقوقية في الإسلام سبلاً واضحة لرسم نمط الأخلاق الخاص باتباعه، وذلك ما نلحظه من عناوين متعددة نشير إلى ثلاثة منها:
1-    التعاليم التشريعية العبادية: وهي تشكل جزءاً أساساً من هذا الدين، والفرائض العبادية ، مضافاً إلى ما تقوم به من دور في علاقة العبد بربه، فإنها ترسم للإنسان أسلوب حياة، وبحكمة تنوعها تكفل تنظيم حياة الإنسان اليومية، كعبادة الصلاة التي ترسم بالمحافظة عليها في أوقاتها مسؤولية تنظيم القيام بها، أو تنظيم حياة الإنسان السنوية في عبادة الصوم التي تنتقل به إلى تنظيم علاقته بالمأكل والمشرب وسائر المباحث التي يطلق عليها المفطرات، فيتقيد بها في أوقات معينة وينعكس ذلك في مختلف جوانب حياته، وهذا يجعل من صاحب الشأن أي المسؤول عن تنظيم وإدارة أي مؤسسة يتقيد بمنظومة أخلاق تحكم عليه حدوداً لعملية التنظيم والإشراف.
2-    نظام المعاملات: وهو الجزء الرئيس الآخر في التشريع الإسلامي والذي يفرض على الإنسان أسلوباً في ما يسمى أبواب الرزق وقد ورد في الرواية المشهورة تقسيم هذه الأبواب إلى أربعة أقسام: الولاية، والتجارة والإجارة، والصناعة وتدخل الإسلام من رسم الحلال والحرام فيها جميعاً، وبالتقيد بها يرتسم أسلوب المؤسسة في الرؤية الإسلامية.
وكمثال على ذلك، فإن حرمة الربا كحد فاصل بين التشريع الإسلامي والتشريعات الأخرى سوف يرسم نظام معاملات خاصاً، يقوم على التوازن الاجتماعي، ولذا يشير الشهيد السيد محمد باقر الصدر (قده) إلى نمط الحياة الإسلامية في توزيع الثروات بأنه يقوم – من التصور الإسلامي – على الحقوق الإنسانية الثابتة التي تعبر عنها خلافة الإنسان في الأرض، والتي تؤكد على الحق، والعدل والمساواة والقيم والكرامة وغيرها، هذا من جهة ومن جهة أخرى، تؤكد على شجب علاقات التوزيع القائمة على أساس الإستغلال والظلم مهما كان مستوى الإنتاج وشكله.

 الطالب حسين المقداد